البندقية (رويترز) - يسترجع المخرج السينمائي الاسرائيلي صامويل ماعوز في فيلم جديد ذكرياته عندما كان جنديا شابا خلال حرب لبنان عام 1982 مسلطا الضوء بقوة على مشاعر الخوف ورهاب الاماكن المغلقة بتصوير معظم المشاهد من داخل دبابة.
وكانت تجربة ماعوز كمجند في العشرين من عمره خلال الصراع مروعة لدرجة أن الامر احتاج منه الى 25 عاما ليستجمع شجاعته ويكتب سيناريو فيلم " لبنان" الذي عرض لاول مرة في العالم للجمهور يوم الثلاثاء خلال مهرجان البندقية السينمائي.
ويحكي الفيلم قصة أربعة جنود يفتقرون الى الخبرة داخل دبابة أرسلت " لتصفية" أعداء في بلدة لبنانية كانت قد قصفتها بالفعل القوات الجوية الاسرائيلية.
وسرعان ما تتصاعد أحداث مهمة كانت تبدو روتينية لتخرج عن السيطرة وتتحول الى فخ مميت عندما تتعطل الدبابة وتضل طريقها في منطقة معادية.
والفيلم مفعم بالاثارة ومليء بمشاهد مروعة وينقل المشاهد الى أرض المعركة بتصوير كل الاحداث تقريبا من داخل الدبابة ومن خلال عدسة المدفعي.
وقال يواف دونات الذي يؤدي في الفيلم دور مدفعي الدبابة الذي أسند الى المخرج خلال الحرب "ليس هذا فيلما يجعلك تقول.. لقد شاهدت للتو فيلما.. بل هو فيلم يجعلك تشعر أنك شاركت في حرب."
ويأتي عرض فيلم "لبنان" بعد عام من فيلم الرسوم المتحركة الوثائقي "الرقص مع بشير" للمخرج الاسرائيلي اري فولمان الذي صور أيضا فظائع الصراع الذي دار عام 1982 من وجهة نظر جنود اسرائيليين.
ويصف ماعوز اجتياح لبنان بأنه "حرب فيتنام الخاصة بنا" ويقول انه يختلف عن صراعات سابقة خاضتها اسرائيل في أن "قواعد اللعبة" لم تنطبق عليه أي لم تكن فيه جيوش وأهداف محددة بوضوح.
وقال المخرج في مقابلة "دارت الحرب في أحياء وكان العدو يرتدي الجينز فلم تكن تستطيع أن ترى الفرق بين جندي ومدني. والاتجاه العام كان شمالا لكن ذلك الشمال سرعان ما تحول 360 درجة."
وأضاف "من نهاية الحرب.. من بيروت.. أتذكر جنونا لدى الجميع.. أتذكر خبالا في الجو."
وذكر ماعوز أنه سعى لتقديم الواقع القاسي للحرب في محاولة للتعايش جزئيا على الاقل مع شعوره بالصدمة والذكريات المؤرقة عن أول رجل قتله.
وبذل رعاة الفيلم مجهودا كبيرا لاقناع المخرج بالتخلي عن بعض أكثر المشاهد ترويعا.
وقال ماعوز "أحتاج لان أغفر لنفسي أيضا... كان موقفا لا مخرج منه ولم يكن لي خيار. لكني كنت هناك في نهاية المطاف وهذا كاف عندي لاشعر بالمسؤولية."
وذكر المخرج أن الفيلم ليس ادانة لسياسات اسرائيل بل رواية شخصية لما مر به وللمعضلة الاخلاقية التي يواجهها الجنود في أنحاء العالم.
وقال "الخطأ الذي وقعت فيه هو تسمية الفيلم (لبنان) لان حرب لبنان لا تختلف في جوهرها عن أي حرب أخرى وأي محاولة مني لاكون سياسيا كانت ستصيب الفيلم بالسطحية. اذا تحدثنا من الجانب الشخصي لا من الجانب السياسي عن أرواح الجنود فهذه هي أفضل وسيلة لوقف الحرب."
وبدلا من أن يشرح موعاز للممثلين في فيلمه شعور الجلوس في حر خانق داخل دبابة تطلق عليها النار من كل اتجاه حبسهم داخل حاوية مظلمة عدة ساعات في حرارة بلغت 40 درجة مئوية ثم راح معاونوه يقرعون جدران الحاوية بقضبان من الحديد.
وقال دونات الذي خدم في الجيش مثله في ذلك مثل معظم الممثلين الاخرين في الفيلم " أرادنا أن نعرف شعور الجلوس في الحر حيث تتصبب عرقا وتعاني من الارهاق ولا تجد شرابا وتكاد أعصابك تنهار."
وأضاف "هذا أمر يخيفك كثيرا."