بماذا نجيب إذا سألنا يوماً غريب عن معنى كلمة سوريا أو أصل اسم وطننا الذي نحبه وننتمي إليه؟ هل نتلو عليه محاضرة نستعرض فيها اجتهادات المؤرخين ونختمها كما يختمون بأن لا شيء أكيد .. أم نقول لا نعرف ونظهر بمظهر قليلي الثقافة أو اللامبالين بوطنهم ونحن لسنا كذلك .. اختيار صعب يضعنا أمامه هذا السؤال فأيهما أهون على المرء يا ترى أن يقول لا أعرف
إضاءة جديدة على اسم ( سوريا )
ويظهر بمفرده بمظهر اللاعارف أم يقول كل من في البلاد لا يعرف ويظهر أبناء بلده ومؤرخوها بمظهر لا يسر.بالتأكيد الجواب الثاني لن يصدقه أجنبي فهو أقرب إلى اللامعقول بالرغم من معرفتنا أنه هو الحقيقة ..
رسمياً لا شيء مؤكد فقد ورد في المعجم الجغرافي للقطر العربي السوري الصادر عن مركز الدراسات العسكرية المجلد الأول ص 23 : لم يعرف أصل تسمية سورية على وجه التأكيد ... ويكاد يكون من المؤكد أن سورية عرفت بهذا الاسم زمن السلوقيين واستمرت على ذلك ... ويضيفون ما معناه أن الاسم قديم جداً لكنه لم يظهر في الأدبيات العربية إلا عند الفتح عندما قال هرقل أمبراطور الروم لدى هزيمته أمام العرب المحررين ( سلام عليك يا سورية، سلام موَدع لا يرجو أن يرجع إليك أبداً ) ورد هذا القول في معجم البلدان نقلاً عن كتاب الفتوح إذاً في المصادر العربية القديمة لا شيء .. أما المصادر الأجنبية فقد لخصها وانتخب ما ورد فيها كبار المؤرخين العرب كالمطران يوسف الدبس و د. فيليب حتي فيقول الأول في كتاب تاريخ سورية المجلد الأول ص 11 (... وأول من سمى هذه البلاد سورية هم اليونان مع أن هوميروس شاعرهم سمى سكانها آراميين. على أن هيرودوت ( الذي ولد سنة 484 ق م ) هو على ما نعلم أول من سمى هذه البلاد سورية وتبعه في ذلك اليونان والرومانيون ولكن ما الذي حملهم على هذه التسمية ففيه للعلماء القدماء أقوال أقربها إلى الصحة قولان : الأول أنها سميت سورية نسبة إلى صور مدينتها البحرية الشهيرة وقد عرف اليونان أهلها لكثرة ترددهم إلى بلادهم للتجارة فسموهم سوريين وبلادهم سورية بإبدال الصاد بالسين لعدم وجود الصاد في لغتهم . وكلمة صُر بالفينيقية معناها الصخر أو السور ويرى هذا الاسم منقوشاً على المسكوكات القديمة التي وجدت في هذه المدينة . والثاني أن اليونان سموا هذه البلاد سورية نسبة إلى آسور أو آسيريا بلاد الآشوريين لأن الآشوريين كانوا يتولون سورية عند استفحال أمر اليونان فنسبوا سورية إليهم مخففين اللفظة بحذف الهجاء الأول والمبادلة بين السين والشين فاشية حتى في كلمة آشور وآسور . ونرى بعض القدماء من اليونان يطلقون على ما بين النهرين أيضاً وأرمينيا وبعض بلاد فارس اسم سورية مرادفاً لاسم أسيريا أي مملكة الآشوريين... ) ثم يستبعد المطران الدبس احتمالات اشتقاق ضعيفة لا داعي لذكرها .. لكنه يعود ويؤيد الأب دي كارا الذي يقول أنه وجد صحيفة في مصر كتب عليها بثلاث لغات اسم سورية فكان في الهيروغليفية ( المصرية ) روثانو ، وفي اليونانية سورية ، وفي لغة الشعب المصرية (العامية) آسار أو آسور وبما أن هذا الاسم آسور وجد منقوشاً في هيكل أدفو في مصر في معرض إخبار عن بطولات رعمسيس الذي كان حاكماً قبل استيلاء الآشوريين على سورية بقرون فيتوصل المطران الدبس من هذه المعلومة إذا صحت بأنه يؤيد الأب دي كارا بأن اسم سورية أقدم بكثير من علماء ومؤرخي اليونان المعروفين ( ص 13 ج 1 )أما الدكتور فيليب حتي فيفيدنا بأن اسم سورية يوناني في شكله .وسيريون في العبرية اسم يطلق على جبال لبنان الشرقية وقد استخدم اسم الجزء فيما بعد ليشمل الكل . ويضيف بأنه كانت هناك منطقة شمال العراق تسمى (su-ri ) لكنه يستبعد أن يكون هذا الاسم ذا صلة بالآشوريين ويقول أنه في العصور اليونانية توسع استعمال هذا الاسم ليشمل البلاد كلها أي من جبال طوروس وسيناء وبين المتوسط والبادية . وبقيت سورية هكذا حتى نهاية الحرب العالمية الأولى ويفيد بأن اسم سيروس ( سوري ) بالنسبة للرومان يعني كل شخص يتكلم اللغة السريانية وولاية سورية الرومانية كانت تمتد من الفرات إلى حدود مصر بما فيها فلسطين ( إذ كانت بالنسبة لهرودتس قسماً من سوريا وكذلك بالنسبة للأتراك) وينبه المؤرخ حتي بأن تسمية سورية لم تكن واردة في النص العبري الأصلي للعهد القديم ولكنها استعملت في الترجمة السبعينية للدلالة على آرام والأراميين .. ويقول أيضاً { ... حتى الآن وكمصطلح لغوي فإن اسم سوري (syrian) بالانكليزية يشير إلى جميع الشعوب التي تتكلم السريانية ( الآرامية ) ومنهم الذين في العراق وإيران وكمصطلح ديني إلى أتباع الكنيسة السورية القديمة أو السريانية التي انتشر بعضهم حتى جنوب الهند } واليوم توصل المؤرخ مفيد عرنوق إلى إضاءة جديدة على أصول اسم سوريا فيقول في كتابه: ( صرح ومهد الحضارة السورية ) : ( درج المؤرخون أمثال فيليب حتي وغيره على القول بأن اسم سوريا مشتق من صور وقد يكون من آشور . أما دراستنا الحديثة فقد أوقعتنا على مقطع في كتاب للعالم كونشينو عنوانه تاريخ الحثيين والماتينين يقول فيه أنه منذ الألف الرابع قبل الميلاد بدأت تتسلل إلى سوريا عبر جبال زغروس أقوام من الهندوأوروبيين استيقظتهم خصوبة الأرض السورية وشمسها المشعة الدافئة . وكانت لفظة سوريا تسبق أسماء ملوكهم . وبعد التفتيش الدقيق تم العثور على قاموس عربي سنسكريتي وإذ بلفظة سوريا موجودة فيه باللغة السنسكريتية ومعناها ( الشمس ) ومن هنا اتضح اشتقاق لفظة سوريا أي أنها من اللغة السنسكريتية وتكتب بالألف الطويلة . وبعد هذا الكشف إن اسم سوريا ومعناه الشمس فإن أول من أطلق هذا الاسم على منطقة الشرق الأوسط أي سوريا الطبيعية هم الهندوأوروبيين أثناء لجوئهم إلى منطقة الشرق الأوسط هرباً من الصقيع والجليد ولجوءاً إلى الدفء وخصوبة التربة وبموجب هذا المنطق تسقط تسمية سوريا عن صور وآشور لتثبت أنها سنسكريتية .) والآن وحتى ظهور أبحاث جديدة فإننا نرى إن اجتهاد المؤرخ عرنوق أقرب إلى الصحة وخصوصاً وإنه يتوافق مع رأي المطران يوسف الدبس الذي أصر أن الاسم أقدم من اليونان ولكنه لم يحدد بكم هو أقدم ولا هوية الذي أطلقه ولكن بكل الأحوال أعتقد أنه آن الآوان أن نعرف جذور اسم وطننا وآن الآوان أن يتجند كل الباحثين والدارسين من أبناء سورية وينقبوا ويبحثوا في خبايا التاريخ القديم واللغات القديمة السامية وغيرالسامية عساهم في بحثهم يوفرون الإجابة على هذا السؤال.